فصل: قال الزمخشري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والثاني: كلّ مسبّح ومصلَ منهم قد علم صلوة نفسه وتسبيحه الذي كلّفه الله، وقد علم كلّ منهم صلاة الله من تسبيحه. {والله عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ وَللَّهِ مُلْكُ السماوات والأرض} أي تقديرها وتدبير أُمورها وتصريف أحوالها كما يشاء {وإلى الله المصير أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله يُزْجِي} يسوق {سَحَابًا} الى حيث يريد {ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ} أي يجمع بين قطع السحاب المتفرّقة بعضها إلى بعض، والسّحاب جمع، وإنما ذكر الكناية على اللفظ {ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا} متراكمًا بعضه فوق بعض {فَتَرَى الودق يَخْرُجُ مِنْ خِلاَلِهِ} وسطه وهو جمع خلل، وقرأ ابن عباس والضحاك من خَللهِ.
{وَيُنَزِّلُ مِنَ السماء مِن جِبَالٍ فِيهَا مِن بَرَدٍ} أي البرد، ومن صلة، وقيل: معناه وينزل من السماء قدر جبال أو مثال جبال من برد إلى الأرض، فمِن الأُولى للغاية لأنّ ابتداء الإنزال من السماء، والثانية: للتبعيض لأنّ البرد بعض الجبال التي في السماء، والثالثة: لتبيين الجنس لأنّ جنس تلك الجبال جنس البرد {فَيُصِيبُ بِهِ} أي بالبرد {مَن يَشَاءُ} فيهلكه ويهلك زروعه وأمواله، {وَيَصْرِفُهُ عَن مَّن يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ} أي ضوء برق السحاب {يَذْهَبُ بالأبصار} من شدّة ضوئه وبريقه، وقرأ أبو جعفر: يُذهب بضم الياء وكسر الهاء، غيره: من الذهاب.
{يُقَلِّبُ الله الليل والنهار} يصرفهما في اختلافهما ويعاقبهما {إِنَّ فِي ذلك} الذي ذكرت من هذه الاشياء {لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأبصار} لذوي العقول.
أخبرني ابن فنجويه قال: حدّثنا أبو بكر بن مالك القطيعي قال: حدّثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل قال: حدّثني أبي قال: حدّثنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عزَّ وجل: يؤذيني ابن آدم بسبّ الدهر وأنا الدهر، بيدي الأمر، أُقلّب الليل والنهار».
{والله خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٍ} خالق على الاسم كوفي غير عاصم، الباقون: خَلَق كلّ دابّة على الفعل {مِّن مَّاءٍ} أي من نطفة، وقيل: إنما قال {مِّن مَّاءٍ} لأنَّ أصل الخلق من الماء، ثم قلب بعض الماء الى الريح فخلق منها الملائكة، وبعضه إلى النار فخلق منه الجن، وبعضه إلى الطين فخلق منه آدم.
{فَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على بَطْنِهِ} كالحيّات والحيتان {وَمِنهُمْ مَّن يَمْشِي على رِجْلَيْنِ} كالطير {وَمِنْهُمْ مَّن يَمْشِي على أَرْبَعٍ} قوائم كالأنعام والوحوش والسباع ولم يذكر ما يمشي على أكثر من أربع لأنّه كالذي يمشي على أربع في رأي العين.
{يَخْلُقُ الله مَا يَشَاءُ} كما يشاء {إِنَّ الله على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ لَّقَدْ أَنزَلْنَآ آيَاتٍ مُّبَيِّنَاتٍ والله يَهْدِي مَن يَشَاءُ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ وَيَِقُولُونَ آمَنَّا بالله وبالرسول وَأَطَعْنَا} يعني المنافقين {ثُمَّ يتولى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مِّن بَعْدِ ذلك} ويدعو الى غير حكم الله.
قال الله سبحانه وتعالى {وَمَآ أولئك بالمؤمنين} نزلت هذه الآيات في بشر المنافق وخصمه اليهودي حين اختصما في أرض فجعل اليهودي يجرّه الى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما، وجعل المنافق يجرّه الى كعب بن الأشرف ويقول: إنّ محمّدًا يحيف علينا، فذلك قوله: {وَإِذَا دعوا إِلَى الله وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} الرسول بحكم الله {إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُمْ مُّعْرِضُونَ وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ الحق يأتوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ} مطيعين منقادين لحكمه {أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ارتابوا} يعني أنّهم كذلك فجاء بلفظ التوبيخ ليكون أبلغ في الذمّ، كقول جرير في المدح:
ألستم خير من ركب المطايا ** وأندى العالمين بطون راح

يعني أنتم كذلك.
{أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ الله عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ} أي يظلم {بَلْ أولئك هُمُ الظالمون} لأنفسهم بإعراضهم عن الحق والواضعون المحاكمة في غير موضعها.
{إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ المؤمنين إِذَا دعوا إِلَى الله} أي الى كتاب الله {وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ} نصب القول على خبر كان واسمه في قوله: {أَن يَقُولُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وأولئك هُمُ المفلحون وَمَن يُطِعِ الله وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ الله وَيَتَّقْهِ فأولئك هُمُ الفآئزون}. اهـ.

.قال الزمخشري:

.[سورة النور: آية 35]:

{اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ}.
نظير قوله: {اللَّهُ نُورُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} مع قوله: {مَثَلُ نُورِهِ}، {ويَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ}: قولك: زيد كرم وجود، ثم تقول: ينعش الناس بكرمه وجوده. والمعنى: ذو نور السماوات، وصاحب نور السماوات، ونور السماوات والأرض الحق، شبهه بالنور في ظهوره وبيانه، كقوله تعالى: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ}: أي من الباطل إلى الحق.
وأضاف النور إلى السماوات والأرض لأحد معنيين: إما للدلالة على سعة إشراقه وفشوّ إضاءته حتى تضيء له السماوات والأرض. وإما أن يراد أهل السماوات والأرض وأنهم يستضيئون به {مَثَلُ نُورِهِ} أي صفة نوره العجيبة الشأن في الإضاءة {كَمِشْكاةٍ} كصفة مشكاة وهي الكوّة في الجدار غير النافذة {فِيها مِصْباحٌ} سراج ضخم ثاقب {فِي زُجاجَةٍ} أراد قنديلا من زجاج شامي أزهر. شبهه في زهرته بأحد الدراري من الكواكب وهي المشاهير، كالمشترى والزهرة والمرّيخ وسهيل ونحوها {يُوقَدُ} هذا المصباح {مِنْ شَجَرَةٍ} أي ابتدأ ثقوبه من شجرة الزيتون، يعنى: زويت ذبالته بزيتها {مُبارَكَةٍ} كثيرة المنافع. أو: لأنها تنبت في الأرض التي بارك فيها للعالمين. وقيل: بارك فيها سبعون نبيا، منهم إبراهيم عليه السلام. وعن النبي صلى اللّه عليه وسلم: «عليكم بهذه الشجرة زيت الزيتون فتداووا به، فإنه مصحة من الباسور» {لا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ} أي منبتها الشام. وأجود الزيتون: زيتون الشام. وقيل: لا في مضحى ولا مقنأة، ولكن الشمس والظل يتعاقبان عليها، وذلك أجود لحملها وأصفى لدهنها.
قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «لا خير في شجرة في مقنأة، ولا نبات في مقنأة، ولا خير فيهما في مضحى» وقيل: ليست مما تطلع عليه الشمس في وقت شروقها أو غروبها فقط، بل تصيبها بالغداة والعشى جميعا، فهي شرقية وغربية، ثم وصف الزيت بالصفاء والوبيص، وأنه لتلألئه يَكادُ يضيء من غير نار {نُورٌ عَلى نُورٍ} أي هذا الذي شبهت به الحق نور متضاعف قد تناصر فيه المشكاة والزجاجة والمصباح والزيت، حتى لم تبق مما يقوى النور ويزيده إشراقا ويمدّه بإضاءة: بقية، وذلك أن المصباح إذا كان في مكان متضايق كالمشكاة كان أضوأ له وأجمع لنوره، بخلاف المكان الواسع فإنّ الضوء ينبث فيه وينتشر، والقنديل أعون شيء على زيادة الإنارة، وكذلك الزيت وصفاؤه {يَهْدِي اللَّهُ} لهذا النور الثاقب {مَنْ يَشاءُ} من عباده، أى: يوفق لإصابة الحق من نظر وتدبر بعين عقله والإنصاف من نفسه، ولم يذهب عن الجادة الموصلة إليه يمينا وشمالا. ومن لم يتدبر فهو كالأعمى الذي سواء عليه جنح الليل الدامس وضحوة النهار الشامس. وعن علي رضي اللّه عنه: {اللّه نور السماوات والأرض} أي نشر فيها الحق وبثه فأضاءت بنوره. أو نور قلوب أهلها به، وعن أبىّ بن كعب رضي اللّه عنه: مثل نور من آمن به. وقرئ: زجاجة الزجاجة، بالفتح والكسر: ودرّىّ: منسوب إلى الدرّ أى، أبيض متلألأ. ودرّىء: بوزن سكيت: يدرأ الظلام بضوئه.
ودريء كمريق. ودرى كالسكينة، عن أبى زيد. وتوقد: بمعنى تتوقد. والفعل للزجاجة. ويوقد، وتوقد، بالتخفيف. ويوقد، بالتشديد. ويوقد بحذف التاء وفتح الياء، لاجتماع حرفين زائدين وهو غريب. ويمسه بالياء، لأن التأنيث ليس بحقيقى، والضمير فاصل.

.[سورة النور: الآيات 36- 38]:

{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (36) رِجالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءِ الزَّكاةِ يَخافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصارُ (37) لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ (38)}.
{فِي بُيُوتٍ} يتعلق بما قبله، أى، كمشكاة في بعض بيوت اللّه وهي المساجد، كأنه قيل: مثل نوره كما يرى في المسجد نور المشكاة التي من صفتها كيت وكيت. أو بما بعده، وهو يسبح، أى: يسبح له رجال في بيوت. وفيها تكرير، كقولك: زيد في الدار جالس فيها. أو بمحذوف، كقوله فِي تِسْعِ آياتٍ أي سبحوا في بيوت. والمراد بالإذن: الأمر. ورفعها: بناؤها، كقوله: {بَناها رَفَعَ سَمْكَها فَسَوَّاها}، {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَواعِدَ} وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: هي المساجد، أمر اللّه أن تبنى. أو تعظيمها والرفع من قدرها. وعن الحسن رضي اللّه عنه: ما أمر اللّه أن ترفع بالبناء، ولكن بالتعظيم {وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ} أوفق له، وهو عام في كل ذكر. وعن ابن عباس رضي اللّه عنهما: وأن يتلى فيها كتابه. وقرئ: يسبح، على البناء للمفعول، ويسند إلى أحد الظروف الثلاثة، أعنى: {لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ}، ورِجالٌ مرفوع بما دلّ عليه يُسَبِّحُ وهو يسبح له. وتسبح، بالتاء وكسر الباء. وعن أبى جعفر رضي الله عنه بالتاء وفتح الباء. ووجهها أن يسند إلى أوقات الغدوّ والآصال على زيادة الباء، وتجعل الأوقات مسبحة. والمراد ربها، كصيد عليه يومان. والمراد وحشهما. والآصال: جمع أصل وهو العشى.
والمعنى: بأوقات الغدوّ، أى: بالغدوات. وقرئ: والإيصال، وهو الدخول في الأصيل.
يقال: آصل، كأظهر وأعتم. التجارة: صناعة التاجر، وهو الذي يبيع ويشترى للربح، فإما أن يريد: لا يشغلهم نوع من هذه الصناعة، ثم خص البيع لأنه في الإلهاء أدخل، من قبل أن التاجر إذا اتجهت له بيعة رابحة وهي طلبته الكلية من صناعته: ألهته ما لا يلهيه شراء شيء يتوقع فيه الريح في الوقت الثاني، لأن هذا يقين وذاك مظنون. وإمّا أن يسمى الشراء تجارة، إطلاقا لاسم الجنس على النوع، كما تقول: رزق فلان تجارة رابحة إذا اتجه له بيع صالح أو شراء. وقيل: التجارة لأهل الجلب، اتجر فلان في كذا: إذا جلبه. التاء في إقامة، عوض من العين الساقطة للإعلال. والأصل: إقوام فلما أضيفت أقيمت الإضافة مقام حرف التعويض، فأسقطت. ونحوه:
وأخلفوك عد الأمر الذي وعدوا

وتقلب القلوب والأبصار: إما أن تتقلب وتتغير في أنفسها: وهو أن تضطرب من الهول والفزع وتشخص، كقوله: {وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ}. وإما أن تتقلب أحوالها وتتغير فتفقه القلوب بعد أن كانت مطبوعا عليها لا تفقه، وتبصر الأبصار بعد أن كانت عميا لا تبصر {أَحْسَنَ ما عَمِلُوا} أي أحسن جزاء أعمالهم، كقوله: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى} والمعنى يسبحون ويخافون، ليجزيهم ثوابهم مضاعفا ويزيدهم على الثواب تفضلا. وكذلك معنى قوله: {الْحُسْنى وَزِيادَةٌ} المثوبة الحسنى وزيادة عليها من التفضل. وعطاء اللّه تعالى: إما تفضل، وإما ثواب، وإما عوض {وَاللَّهُ يَرْزُقُ} ما يتفضل به {بِغَيْرِ حِسابٍ} فأما الثواب فله حساب لكونه على حسب الاستحقاق.

.[سورة النور: آية 39]:

{وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتَّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسابَهُ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ (39)}.
السراب: ما يرى في الفلاة من ضوء الشمس وقت الظهيرة. يسرب على وجه الأرض كأنه ماء يجري. والقيعة: بمعنى القاع أو جمع قاع، وهو المنبسط المستوى من الأرض، كجيرة في جار. وقرئ: بقيعات: بتاء ممطوطة، كديمات وقيمات، في ديمة وقيمة. وقد جعل بعضهم بقيعاة بتاء مدورة، كرجل عزهاة، شبه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان ولا يتبع الحق من الأعمال الصالحة التي يحسبها تنفعه عند اللّه وتنجيه من عذابه ثم تخيب في العاقبة أمله ويلقى خلاف ما قدّر، بسراب يراه الكافر بالساهرة وقد غلبه عطش يوم القيامة فيحسبه ماء، فيأتيه فلا يجد ما رجاه ويجد زبانية اللّه عنده يأخذونه فيعتلونه إلى جهنم فيسقونه الحميم والغساق، وهم الذين قال اللّه فيهم: {عامِلَةٌ ناصِبَةٌ} {وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} {وَقَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُورًا}.
وقيل: نزلت في عتبة بن ربيعة بن أمية، قد كان تعبد ولبس المسوح والتمس الدين في الجاهلية، ثم كفر في الإسلام.

.[سورة النور: آية 40]:

{أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحابٌ ظُلُماتٌ بَعْضُها فَوْقَ بَعْضٍ إِذا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَراها وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَما لَهُ مِنْ نُورٍ (40)}.
اللجىّ: العميق الكثير الماء، منسوب إلى اللج وهو معظم ماء البحر. وفي أَخْرَجَ ضمير الواقع فيه لَمْ يَكَدْ يَراها مبالغة في لم يرها أى: لم يقرب أن يراها، فضلا عن أن يراها. ومثله قول ذي الرمة:
إذا غيّر النّأى المحبّين لم يكد ** رسيس الهوى من حبّ ميّة يبرح

أي لم يقرب من البراح فما باله يبرح؟ شبه أعمالهم أولا في فوات نفعها وحضور ضررها بسراب لم يجده من خدعه من بعيد شيئا، ولم يكفه خيبة وكمدا أن لم يجد شيئا كغيره من السراب، حتى وجد عنده الزبانية تعتله إلى النار، ولا يقتل ظمأه بالماء. وشبهها ثانيا في ظلمتها وسوادها لكونها باطلة، وفي خلوها عن نور الحق بظلمات متراكمة من لج البحر والأمواج والسحاب، ثم قال: ومن لم يوله نور توفيقه وعصمته ولطفه، فهو في ظلمة الباطل لا نور له.
وهذا الكلام مجراه مجرى الكنايات، لأنّ الألطاف إنما تردف الإيمان والعمل. أو كونهما مترقبين. ألا ترى إلى قوله: {وَالَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا} وقوله: {وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} وقرئ: سحاب ظلمات، على الإضافة. وسحاب ظلمات، برفع سَحابٌ وتنوينه وجرّ {كَظُلُماتٍ} بدلا من {ظُلُماتٌ} الأولى.